التعلق المرضي واضطرابات التواصل

التعلق المرضي واضطرابات التواصل

communication disorder,
التواصل المتبادل والعلاقات الإجتماعية هي صفة تميز جميع الكائنات الحية وتتفاوت مستوياتها بأشكال مختلفة بين الأفراد،  وبالنسبة لنا -نحن البشر- فالتعلق بالأشخاص والأشياء هو طبيعة بشرية جُبلنا جميعًا عليها، ولكن لدى البعض، قد يصل الأمر إلى أكثر من ذلك ويتخطى حاجز الطبيعي. فكثير ما تدفعنا صعوبات الحياة وما تحدثه من أثر عظيم في نفوسنا إلى التعلق بأشياء وأشخاص بشكل اكبر من اللازم في هذا المقال سنتعرف معًا على مفهوم التعلق المرضي وتداعياته على الشخص المصاب

ما هو التعلق المرضي؟

التعلق المرضي أو (attachment disorder) هو سيطرة مشاعر الإحتياج العاطفي تجاه شخص أو شئ ما على المريض والرغبة المستمرة في الاتصال به وملازمته، والتي تؤدي إلى إحداث خلل في في حياته الإجتماعية والعاطفية فضلًا عن الاضطرابات المزاجية والسلوكية المصاحبة لتلك المشاعر في حالة عدم اتصاله بالشخص المتعلق به والابتعاد عنه

:للتعلق المرضي أشكال كثيرة في حياتنا اليومية ولا يشمل فقط تعلق الجنسين ببعضهما البعض عاطفيًا. بل يشمل الأمر حالات عديدة أهمها:

تعلق الأم الزائد بأبنائها ..*

التعلق بالحيوانات الأليفة ..*

التعلق بالأشياء كالملابس والهواتف المحمولة وغيرها ..*

التعلق بالأماكن  ..*

التعلق بالطبيب الخاص أو مختص الرعاية ..*

للتعلق المرضي أسباب كثيرة وعوامل تساهم في إحداث مثل هذه المشاعر الزائدة لدى الشخص

دور النشأة في تكوين شخصية الطفل العاطفية

تلعب نشأة الشخص ونوع الرعاية الذي تلقاه في صغره دورًا هامًا وأساسيًأ في نضوجه العاطفي ومدى قدرته على التحكم في مشاعره. فبقدر الاهتمام والرعاية التي توفرت في طفولته تتضح معالم شخصيته

فإذا تلقى الشخص الحنان والتقبل اللازمين في سن الطفولة ، وتم احتوائه بالشكل الكافي، يمتلك حينئذ الوعي الكافي للقدرة على تحديد مشاعره والسيطرة عليها بالشكل اللازم. وتكون علاقاته قائمة في الأساس على تبادل في المشاعر والعواطف لا الاعتمادية أو الرغبة في استجلاب الحب والحنان.

أما إذا كان الطفل في نشآته لم يتلقى الحنان والرعاية الكافيين فإنه يصاب باضطرابات عديدة في سلوكه العاطفي تُترجم على أشكال عدة في تصرفاته مع الآخرين. من أهم هذه السلوكيات وأكثرها شيوعا التعلق الزائد، حيث يحاول الشخص أن يعوض الحب والتقبل اللذين لم يجدهما في طفولته بالإفراط في مشاعره تجاه الأشخاص والأشياء وجعلهم منبع السعادة والرضا عن ذاته

بالإضافة إلى التعلق المرضي، فإن ذلك النقص قد يظهر بأشكال أخرى في العلاقات العاطفية لدى المريض مثل: الرهاب الاجتماعي وانعدام القدرة على التواصل مع المجتمع والآخرين بكفاءة، القلق والتوتر من العلاقات العاطفية، ممارسة الابتزاز العاطفي عى الآخرين أو امتلاك علاقات عاطفية غير صحية يقترب فيها الشخص من الطرف الآخر ويبتعد بشكل مفاجئ ومن دون مبررات.

عوامل أخرى تؤدي إلى التعلق الزائد

بالإضافة إلى النشأة وتأثير الوالدين في التركيب العاطفي لدى الشخص، هناك عوامل أخرى مهمة في تكوين شخصية تتعلق بشكل زائد بما تحبه.

المفهوم الخاطئ عن الذات والعلاقات ..*

قد يمارس بعض الأشخاص التعلق الزائد بالآخرين ككونها الطريقة التي يعبر فيها عن حبه للطرف الآخر ويستطيع من خلالها إظهار اهتمامه. وينبع ذلك المفهوم الخاطئ عادة من تأثر الشخص بما يراه حوله من نماذج للعلاقات العاطفية وتقليده لتلك النماذج، سواء كانت نماذج حقيقية في حياته العاطفية أو غير ذلك مما يعرض في التلفاز ويتم الترويج له في الأفلام والمسلسلات من صور مزيفة وغير واقعية نهائيًأ عن الحياة العاطفية وما يقدمه كل طرف للآخر

 محاولة التعويض عن شعور داخلي بالفقد والحرمان.. *

قد يرغب الشخص في علاقاته الأسرية مع أولاده أو العاطفية مع شريك حياته، أن يعوض الطرف الآخر عن كل ما افتقده في علاقاته هو مع الآخرين. فيؤدي ذلك بدوره إلى مبالغة في إيصال المشاعر والخوف الزائد على الطرف الآخر، فضلًأ عن اتخاذ العلاقة محورًا للحياة لا جزءًا منها. وذلك السلوك غالبًا ما يحدث تأثيرًأ عكسيًا في العلاقة ويشعر الطرف الآخر بالإختناق والتملك بدلًا من الحب والاهتمام

جعل العلاقة العاطفية مصدرًا للرضا عن الذات.. *

الشخص المصاب بالتعلق المرضي غالبًا ما يكون دافعه أن يشعر بالرضا عن ذاته قبل كل شئ، حيث أنه يجعل من نجاح علاقته مقياس لمدى نجاحه في الحياة وتقبله لذاته وهو ما يدفعه إلى التعلق الزائد بالأخرين خوفًا من فقدان ذلك الشعور الجيد الذي يرواده عندما يكون شريكه في الحياة إلى جواره

 انعكاس عدم تقبل الذات على الآخرين..*

إذا كان الشخص مصاب بانعدام الثقة وعدم التقبل الذات ويكون ذلك بمثابة الشعور المسيطر بشكل دائم على عقله، فإنه بالتأكيد سوف يسيطر أيضًا على تصرفاته مع الآخرين. وذلك يتضح في محاولاته استرضاء الآخرين بشتى الطرق أو التمسك الشديد بهم خوفًا من فقدانهم. وينبع ذلك التمسك أيضًأ من فقدان المريض لذلك النوع من الاهتمام والرغبة في حياته

التعرض للصدمات النفسية القوية وسوء المعاملة.. *

ومثل هذه التجارب خاصة إن كانت في مرحلة الطفولة تجعل الشخص هش وأقل قدرة على التحكم في عواطفه وتدفعه إلى التعلق بأي شخص يمنحع أقل القليل من الحب والاهتمام

كيف يمكن التعامل مع مثل هذه المشكلة؟

أولًا يجب على الشخص إدراك الخطأ الذي يرتبكه في علاقاته مع الآخرين وأن مثل هذا التعلق ليس هو العرف السائد في العلاقات الإنسانية وخاصة العاطفية منها

فالكثير من المرضى لا يكونوا مدريكن لوجود خلل ما في طريقة اهتمامهم بالآخرين

:ومن ثَم عليه اتخاذ العديد من الإجراءات الأخرى بخصوص علاقاته المَرضية، أهمها

الابتعاد التام عن الشخص وقطع كل الصلات التي قد تجمعكما معًا وتحمل ما سيرافق ذلك من ألم نفسي شديد وتفكير مستمر..*

الانشغال عن العواطف والأفكار المتزايدة بالتركيز على هدف محدد أو تعلم مهارة بدنية أو ذهنية جديدة وتفريغ الطاقة التي توجه للآخرين في محاولة لتطوير ذاتك أنت..*

البحث عن الأسباب التي قد تكون بدورها دفعتك إلى تولية ذلك الاهتمام لشخص بعينه، والتي قد تكون رغبة ملحة في تعويض عواطف مفقودة أو محاولة للتمرد على وضع راهن..*

الاقتراب من الأهل واستمداد الحنان والاهتمام من منبعهم لا من مكان آخر..*

التعاطف مع الذات واحترامها ووضعها في المقدمة عند الدخول في أي علاقة، فتكون دائمًأ مرتاحاً ومطمئنًا مع الطرف الآخر وليس دائم القلق ومتوتر بخصوص ردود الأفعال على تصرفاتك..*

تقبل العيوب والمشاكل التي تعاني منها كجزء من شخصيتك ولا تحاول إخفاءها أو تعويضها بتصرفات أخرى كالاهتمام الزائد بالآخرين وصب الاهتمام الكلي على الطرف الآخر..*

في النهاية، على المرء أن يتعلم كيف يتعايش مع شخصيته وأفكاره الداخلية وأن يحترم تلك الأفكار والخواطر الداخلية ولا يمانع فكرة المكوث معها لفترة من الزمن وحيدًا. فكلما زاد اهتمامك وتقبلك لذاتك، قل تركيزك على الآخرين وتعلقك بهم. علاقاتنا العاطفية والإنسانية هي جزء من حياتنا بالطبع، ولكنها ليست الجزء الوحيد

في حالة مرورك بأي صدمة عاطفية في حياتك ، يمكنك التوجه الى عيادات السنابل للحصول على استشارة طبية مرضية