
في حياتنا اليومية، لا يخلو المحيط من شخص يلفت الأنظار دومًا، يتحدث بصوت مرتفع، يعبر عن مشاعره بطريقة درامية، ويبحث عن الاهتمام في كل لحظة. قد يبدو ذلك طبيعيًا ضمن شخصيات محبة للتفاعل، ولكن حين يتحول هذا النمط إلى سلوك ثابت يؤثر سلبًا على العلاقات الاجتماعية والمهنية، فقد نكون أمام واحدة من اضطرابات الشخصية الهستيرية.
الاهتمام ليس بحد ذاته سلوكًا مرضيًا، ولكن عندما يكون السعي إليه مبالغًا فيه ويقترن بعدم الاستقرار العاطفي، ومشاعر سطحية، وتصرفات تمثيلية، تصبح المسألة بحاجة إلى فهم أعمق وتدخل علاجي متخصص. لذا، سنأخذك في هذا المقال عبر رحلة تحليلية شاملة لفهم تعريف اضطراب الشخصية الهستيرية، واكتشاف أعراض الشخصية الهستيرية، واستيعاب الأسباب التي قد تكون خلف هذا الاضطراب، وأخيرًا التطرق إلى أساليب علاج اضطراب الشخصية الهستيرية المتاحة.
تعريف اضطراب الشخصية الهستيرية: ما المقصود به تحديدًا؟
لنبدأ بتوضيح تعريف اضطراب الشخصية الهستيرية. يُعرف هذا الاضطراب (Histrionic Personality Disorder – HPD) بأنه أحد أنواع اضطرابات الشخصية التي تندرج ضمن الفئة “B” من تصنيفات الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5).

يتسم هذا الاضطراب بنمط دائم من السلوك العاطفي المبالغ فيه، والسعي المستمر للفت الأنظار، والحاجة المفرطة للاهتمام من الآخرين. وعادة ما يبدأ في مرحلة البلوغ المبكرة، ويؤثر بشكل مباشر على طريقة الشخص في التفكير والتفاعل.
الشخص المصاب بـ اضطرابات الشخصية الهستيرية قد يبدو في الظاهر ودودًا واجتماعيًا، لكنه في العمق يعاني من فراغ داخلي يحاول ملأه من خلال جذب الاهتمام بأي وسيلة، حتى لو كان ذلك عبر الدراما الزائدة أو التصرفات الاستفزازية.
أعراض الشخصية الهستيرية: كيف نميزها؟
إذا كنت تتساءل: ما هي أعراض اضطراب الشخصية الهستيرية؟ فإن الأعراض غالبًا ما تكون واضحة، ولكن يجب ملاحظتها بشكل متكرر ودائم، وليس في مواقف عابرة فقط. من أبرز أعراض الشخصية الهستيرية:
- الحاجة المستمرة لأن يكون الشخص محور الاهتمام، وفي حال لم يكن كذلك، يشعر بعدم الراحة.
- التعبير عن المشاعر بطريقة مبالغ فيها، درامية، وقد تكون سطحية أو غير صادقة.
- استخدام المظهر الجسدي بشكل مفرط لجذب الانتباه.
- التحدث بأسلوب مبهم، خالٍ من التفاصيل أو يفتقر إلى العمق.
- الميل للمبالغة في علاقاته مع الآخرين، وإعطاء انطباع بعمق العلاقة رغم أنها سطحية.
- التأثر السريع بآراء الآخرين وعدم الثبات في القناعات.
- الحساسية الشديدة للنقد أو التجاهل، رغم الظهور بالثقة الزائدة.
- الميل للاندفاعية وصعوبة في ضبط الانفعالات.
هذه الأعراض قد تظهر في جميع جوانب الحياة: في العمل، العلاقات العاطفية، وحتى في التفاعل الاجتماعي العام.
ما هي أسباب اضطراب الشخصية الهستيرية؟ نظرة في الجذور النفسية والاجتماعية
عند البحث عن ما هي أسباب اضطراب الشخصية الهستيرية؟، يجب أن نفهم أن هذا الاضطراب لا ينبع من سبب واحد فقط، بل هو نتيجة تفاعل بين عدة عوامل، منها:
1. البيئة الأسرية والتربية المبكرة
غالبًا ما يُصاب الأشخاص بهذا الاضطراب نتيجة تربية غير متوازنة، حيث يكون الطفل مفرط التدليل، أو يتلقى اهتمامًا فقط عند إظهار السلوك التمثيلي أو الجاذبية.
2. النماذج الأسرية غير المستقرة
الأشخاص الذين نشأوا في أسر ذات علاقات مضطربة، أو في ظل أحد الوالدين المصاب باضطراب في الشخصية، يكونون أكثر عرضة لتكرار نفس النمط.
3. العوامل النفسية والسمات الشخصية
بعض السمات مثل الحساسية الشديدة، والاعتمادية، والرغبة القوية في القبول الاجتماعي، إذا لم يتم التعامل معها بوعي، قد تتطور إلى اضطراب هستيري.
4. العوامل البيولوجية والجينية
رغم قلة الدراسات في هذا الجانب، تشير بعض الأبحاث إلى وجود استعداد وراثي يؤثر على توازن كيمياء الدماغ، ما يُسهم في نشوء الاضطراب.
كيف يتم تشخيص اضطراب الشخصية الهستيرية؟
بالنسبة للسؤال المتكرر: كيف يتم تشخيص اضطراب الشخصية الهستيرية؟ فإن التشخيص لا يتم عبر فحص جسدي أو اختبار بسيط، بل يتطلب تقييمًا نفسيًا شاملًا من مختص في الصحة النفسية.
ويشمل التشخيص:
- مقابلة سريرية معمقة تستعرض السلوكيات والعلاقات والمواقف العاطفية.
- مراجعة التاريخ الأسري والنفسي، بما في ذلك فترة الطفولة.
- تحليل مدى تأثير الأعراض على حياة الشخص في العمل والعلاقات والمجتمع.
- مقارنة الأعراض بمعايير DSM-5 الخاصة بالاضطراب.
يتم التشخيص فقط عندما تكون الأعراض مزمنة، وتؤثر بشكل كبير على الأداء الوظيفي والاجتماعي، وليست نتيجة اضطراب نفسي آخر أو ظرف طارئ.
علاج اضطراب الشخصية الهستيرية: هل يمكن الشفاء أو التحسن؟
الإجابة: نعم، يمكن السيطرة على الأعراض، وتحقيق تحسن كبير في جودة الحياة، لكن يتطلب الأمر الالتزام بعلاج نفسي طويل الأمد، مع دعم مستمر من البيئة المحيطة.
أبرز أساليب علاج اضطراب الشخصية الهستيرية تشمل:
1. العلاج النفسي (العلاج بالكلام):
يُعتبر العلاج النفسي الديناميكي من أنجح الأساليب، حيث يساعد الشخص على:
- فهم جذور السلوكيات التمثيلية.
- تعزيز الشعور الحقيقي بالذات بعيدًا عن الحاجة للانتباه.
- تطوير مهارات التواصل والعلاقات الصحية.
2. العلاج السلوكي المعرفي (CBT):
يركز على تعديل الأفكار المشوهة، وتحسين طرق التعامل مع المواقف اليومية بطريقة متزنة.
3. العلاج الجماعي:
يساعد في تحسين مهارات التفاعل الاجتماعي، من خلال التعامل مع أشخاص يمرون بتجارب مشابهة.
4. الأدوية:
ليست العلاج الأساسي، ولكن يمكن استخدامها إذا ظهرت أعراض مصاحبة مثل القلق أو الاكتئاب.
ما الفرق بين اضطراب الشخصية الهستيرية والنرجسية؟
سؤال مهم وشائع جدًا: ما الفرق بين اضطراب الشخصية الهستيرية والنرجسية؟
رغم التشابه في الحاجة للانتباه، هناك اختلافات جوهرية:
العنصر | الشخصية الهستيرية | الشخصية النرجسية |
---|---|---|
الدافع | البحث عن القبول والانتباه العاطفي | البحث عن التفوق والسيطرة والشعور بالأهمية |
التعبير العاطفي | مفرط ودرامي ومليء بالمبالغة | سطحي أو متعجرف، يميل إلى البرود |
التفاعل مع النقد | شديد الحساسية وقد يُظهر ضعفًا | يتفاعل بغضب أو إنكار ويتجنب المسؤولية |
نظرة الذات | مهزوزة، تبحث عن التقدير الخارجي | مبالغ فيها، يرى نفسه متفوقًا على الآخرين |
الأسئلة الشائعة: إجابات علمية مبسطة وواضحة

1. ما هي أعراض اضطراب الشخصية الهستيرية؟
تشمل الحاجة المفرطة للاهتمام، التعبير العاطفي المبالغ فيه، استخدام المظهر للإغراء، تقلبات مزاجية سريعة، والحساسية الزائدة تجاه التجاهل.
2. كيف يتم تشخيص اضطراب الشخصية الهستيرية؟
من خلال تقييم سريري نفسي يشمل تحليل السلوك والعلاقات وتطابق الأعراض مع معايير التشخيص المعتمدة.
3. هل يمكن علاج اضطراب الشخصية الهستيرية؟
نعم، من خلال العلاج النفسي المستمر، وخصوصًا الديناميكي والسلوكي المعرفي، مع دعم عائلي واجتماعي.
4. ما الفرق بين اضطراب الشخصية الهستيرية والنرجسية؟
الأول يسعى لجذب الانتباه عبر العاطفة والمبالغة، والثاني يسعى لإثبات التفوق والسيطرة، وغالبًا ما يكون متعاليًا.
5. ما هي أسباب اضطراب الشخصية الهستيرية؟
تشمل العوامل الوراثية، البيئة العائلية المضطربة، النشأة غير المتوازنة، والتعرض للإهمال أو الدلال المفرط.
في الختام، يجب أن نعلم أن اضطرابات الشخصية الهستيرية ليست عيبًا أو وصمة، بل هي حالة نفسية قابلة للعلاج إذا تم التعامل معها بوعي واحترافية.
الخطوة الأولى دائمًا تبدأ من الفهم، ثم طلب الدعم، والالتزام بالعلاج. وعندما يتوفر التعاطف من المحيط والدعم من المختص، يمكن لأي شخص أن يستعيد اتزانه العاطفي ويعيش حياة أكثر استقرارًا وصدقًا مع نفسه والآخرين.
لأن الصحة النفسية لا تعني غياب المشاعر… بل تعني التحكم بها.